أسطورة حصان القايْلة
تنمو عقول الصغار قديما وهي تنسج خيالات واهية تستمدّ خيوطها من موروث الأجداد في غياب وسائل الترفيه ، كان الجد أو الجدّة لكثرة أولاده و كثرة أحفاده يقود فرقا من جمهور الأطفال فينزوي بهم في إحدى الغُرف أو يجمعهم فوق دكّان " الحوش " " الزنقة " و يشرع في قصِّ الخرافة تلو الخرافة بشيء من التمطّط و التكرار و إضافة بعض المؤثّرات كتقليد صوت الصهيل أو الركض أو النباح حتى يجعل الصورة جاهزة في خيالهم وبعد برهة من القصِّ تتراءى لهم الشخصيات تتحرّك فينقطع حديثهم و توأد همساتهم.
من الكبار من يتذكّرون دون شك عندما كانت أُمّهاتهم تُخيفهم لكبح جماح شقاوتهم ، بــ " حصان القايْلة " ذاك الكائن الذي لم يَروْه ولكنّه يُخيفهم بل و يُرعِبهم كُلّما حذّرت الأم بإمكانية تعرّضه لابنها عندما يُصرّ على مغادرة المنزل خلال حَرْ الظهيرة .. و كانت الأم قديما تخبر صغيرها أنّ حصان القايْلة يصطاد كل طفل يُكثر من التّجوال في الحر ، كان الأطفال يتخيّلونه بأشكال مختلفة فهناك من يتهيّأ له أنّ الرأس بالضرورة رأس حصان و الجسم قد يكون لإنسان أو لكائن ضخم أو مُشوّه .. فكانوا يلتزمون الصمت كُلّما ذكّرت الأم باحتمال وجوده في الأزقّة و الشوارع لاعتراض الأطفال قال الحاج ابراهيم كنّا نتخيّله حصانا كبيرا بذيل طويل و عينين جاحظتين ، هناك من أترابنا من يستمتعون بتقليده أي يُمثّلون دور الحصان فيقول بعضهم " آنا حْصانْ القايْلة ، لِلّي مايسمعش كْلامْ العَايْلة .. إندبَّر مِنّو لُقمة هَايْلة ، نَاكلُو وانا إيدي طايْلة " و كان بعض الأطفال لا يقبلون منه ذلك و سرعان مايتملّكهم الخوف فيهربون و نحن نضحك عليهم و نجري خلفهم قائلين : " ألحقهم ياحْصان..ألحقهم ياحْصانْ " و كنا نسارع بالعودة إلى البيت قبل ظهور حصان القايْلة الحقيقي و نختفي في منازلنا ولا نخرج إلا بعد انقضاء القيْلولة .