أسطورة العُبّيثة


كان الأطفال قديما  يخافون و يترجّون والدتهم أن لا تنادي لهم " العُبّيثة " و رغم أنّهم لم يروها ولكنّهم يتخيّلونها مُرعبة ذات حواجب كبيرة و مقوّسة و أسنانها صفر وْ بارزة أو مقلعة  ، وشعرها أجعد ، في الغالب تكون  قصيرة وظهرها مقوّس و تمشي  برعشة ، عيناها كبيرتان بهما حمرة  و صوتها باح أو حاد ...كانوا يتخيّلونها قريبة منهم فيلهثون و يبكون و يجرون وليس وراءهم أحد ، الطريق خلفهم خال من أيِّ شيء مُخيف لكنّ العُبّيثة في صورها و أشكالها المختلفة تلحقهم في مخيالهم  و تتربّص بهم بل و تُحدّثهم بالتهديد و الوعيد و كانوا إذا ما هرولوا صاحوا : " أُتركينا يا عُبّيثة نحن لم نفعل شيئا .. "  و يصيح آخرون : " لن تمسكينا نحن نجري أكثر منك أيّتها العجوز ، اِلحقي بنا إن شئت .. "و يصعدون مكانا مرتفعا جبليا أو منزليا صائحين متفاخرين : " نحن في الأعلى ، لنرى كيف ستتمكّنين من الصعود يا عُبّيثة " .
كانوا يختبئون خلف  بابهم الخشبي المشَقّق ، كانوا يطلّون من فتحات الباب فتعلمهم والدتهم  بقدوم " العُبّيثة " أمام بيت الجيران ، وهي تلبس قُفطانا و تضرب في ابن الجيران .. بمرور الزمن تحوّلت هذه الأسطورة إلى رافد من روافد الحكايا الشعبية و ركيزة من ركائز التراث الشفوي بل أكثر أصبحت مصدرا للعروض المسرحية و الفنيّة و ذلك باقتباس شخصيّة تحاكي العبّيثة و تلعب دور العجوز الشمطاء الشرّيرة التي تحرّض على الأفعال السيّئة و لكن في المقابل يجعلون لها شخصيّة موازية تدعو لفعل الخير و بالتالي يحدث الصراع و في الغالب تنهزم العجوز الشريرة فينهزم معها الشر و ينتصر الخير إذن نستطيع القول أنّ هذه الشخصيّة بعد أن شغلت الأجداد و الأحفاد كموروث شفوي تجسّدت على أرض الواقع من خلال استغلال الأقاصيص المرويّة منذ القِدم .